إلى والدي وقائدي ومعلمي
إلى والدي وقائدي ومعلمي
ما تصورت نفسي يوماً تنعى سيدي ووالدي ومعلمي وقائدي.
ما تصورت نفسي تنعى من ملأها بحضوره الساطع حتى تمازجت به وتماهت، فباتت بعضاً منه، وبات كنهها وصيرورتها.
والله، لو كان الموت الحق يفتدى لافتديت الشيخ زايد بروحي، ولو كانت السنون تعطى لوهبته سنوات الصبا والشباب وأحلى أيام العمر.
يا الله يا رحيم، نقبل بقضائك وقدرك بنفوس راضية مطمئنة، لكننا محزونون، ففراق حبيبنا الأعز يدمي القلوب.
يا الله يا حكيم، نقبل بحكمك، لكننا مكلومون بمن اصطفيت لوطننا، وكتبت قيامه على يديه، فكان الوفي الأمين.
أية كلمات، وأية عبارات، تكفي للإحاطة بوجعنا وألمنا ومشاعرنا المبعثرة على امتداد عمر عشناه مع زايد، وما عرفنا قائداً سواه، ولا معلماً في قامته، ولا زعيماً بصلابته وحكمته وسعة صدره وعلو همته وكبريائه.
يغيب الشيخ زايد عنا بجسده، لكن روحه وذكراه ستبقى أبد الدهر حاضرة، تلهمنا وتشد من أزرنا وتدفعنا إلى الأمام.
يغيب الجسد ويبقى الشيخ زايد حاضراً في الدولة التي بنى، والشعب الذي كوّن، والقدوة التي قدم.
يغيب الجسد، ويظل الشيخ زايد حاضراً في المصانع والمزارع والحدائق والشواطئ. في خطوات أبنائنا الأولى إلى مقاعد الدراسة، وحرم الجامعة، ومواقع العمل، وصفحة كتاب الوطن الأولى، ومطلع النشيد وتحية العلم.
يا صاحب الظل العالي الممتد من سد مأرب إلى جنبات المسجد الأقصى وشواطئ النيل ودجلة، وإلى مدارس وجامعات ومساجد ومصانع في أرجاء عالمنا الإسلامي الفسيح.
أينما تلفتنا يا سيدي نراك في مقل شعبك التي زادها الدمع بريقاً، فكشفت مخزون محبة لا ينتهي، ومعين وفاء لا ينضب.
أينما تلفتنا، نسمع صوتك المحبب للنفس، وكلماتك النابضة بروح الحكمة والحب والنصيحة والإرشاد والهداية.
بك يا سيدي شمخت نفوسنا، وعلت هممنا، ورفعت الإمارات رأسها بين الدول.
كيف لا نشمخ وأنت العربي الصافي العروبة، والمسلم الصادق الإسلام، والزعيم الذي ورث المناقب كلها وأضاف إليها، والسياسي الذي ربط السياسة بالمبادئ والأخلاق، وسار بها فكراً وسلوكاً في قومه وأمته.
كيف لا نشمخ بك، وأنت تسري في كل شيء جميل في حياتنا مسرى الدم في العروق؟
كيف لا نشمخ بك، وقد قدت سفينة الوطن وسط بحور متلاطمة وأنواء عاصفة، فكانت صلابتك ورؤاك طريق النجاة إلى بر الأمان؟
تغيب يا والدي عن العيون لكنك حاضر في أكثر زوايا الفؤاد دفئاً وخفقاً وحميمية، سيرة نبيلة تسري في عروق التاريخ والوطن، سيرة أحرفها إنجازاتك وخلقك ومواقفك ومناقبك وسجاياك التي عرفها القاصي والداني.
ما أحب الناس عبداً إلا أحبه الله.
واشهد أنك فزت بحب شعبك وأمتك العربية والإسلامية كما لم يفز قائد سواك.
عزاؤنا أنك باقٍ فينا وممتد في أبنائك البررة وشعبك المحب.
عزاؤنا في ميراث المروءات الشيخ خليفة وإخوانه.
عزاؤنا أنك أسست لعطاء يستمر عملاً صالحاً مصداقاً لحديث رسولنا، صلى الله عليه وسلم، فعمل ابن آدم ينقطع بموته إلا من ثلاث: الصدقة الجارية، والعلم الذي ينتفع به، والابن الصالح الذي يدعو له. وأنت أيها الراحل الكبير أوفيت الثلاث وأكثر.
نعاهدك يا سيدي أن نكون دائماً كما أردتنا، أسرة متماسكة متحابة.
نعطي من دون حدود، وننحاز للحق، نلفظ الظلم، ونسعى في هذه الأرض لما فيه خير الوطن والمواطنين، وتقدم الأمة ورفعتها.
لله ما أعطى ولله ما أخذ، وكل شيء عنده بأجل مسمى، وإننا بقضاء الله راضون، ولما أصابنا محتسبون، ولا نقول إلا ما يرضي الله عز وجل: «وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون». صدق الله العظيم.