نبوغه في الشعر:
بداية لو تساءلنا، ما هو الدافع الأساسى فى نبوغ عنترة فى الشعر؟ ومن الممكن أن الإجابة تتركز فى ثلاثة محاور أو أفكار أولها الموهبة، وثانيها العبودية، وثالثها الحب، وقد قرأت في إحدى المناقشات في اختلاف ترتيب المحاور السابق ذكرها، ولكن ما أود قوله هو أن نبوغه في الشعر تتركز في هذه المحاور الثلاثة.
وقد استدل أحد الأساتذة في إحدى المحاضرات وقد أخبرني بها صديق لي بأنه يظن أن العبودية وإنكار أبيه له، وعلمه فى ذلك الوقت أن العرب لا يلحقوا أولاد العبيد إلا إذا نبغوا، وبالطبع إحساسه بموهبته سار به الى طريق النبوغ، ويستطرد قائلاً: ولكن ما يحيرني بالفعل ما أوائل شعر عنترة؟ هل ذكر فيه عبلة ابنة عمه فيكون الحب هو الدافع أو المحرك لموهبته.
وقد أرجع التبريزي سبب نظم المعلقة كما تذكر المصادر القديمة إلى الظروف التي أعقبت حرية عنترة واعتراف أبيه به. قيل إن واحداً من بني عبس شتمه وعيّره بأمّه وسخر منه لسواد لونه فانبرى عنترة يفتخر ببسالته ويصف فروسيته متحدّياً خصمه الذي قال له: أنا أعظم شاعرية منك. فإذا صحت هذه الرواية تكون معلقة عنترة أولى قصائده الطوال وأجودها لأنه لا يذكر له قبلها إلا الأبيات المتفرقة والمقاطع القصيرة.
وتكاد معلقة عنترة تكون محدّدة الأغراض، فهو يستهل كسائر أي الجاهليين، بذكر الأطلال ووصف الفراق، ثم ينتقل على ذكر عبلة حبيبته ووصفها، ويعود إلى ذكر عبلة ومخاطبتها، مفتخراً بمناقبه الأخلاقية وفروسيته، ويخلص عنترة إلى وصف الخمرة والاعتداد بكرمه، وينتهي بوصف قوّته ونيله من أعدائه وتفوقه في الحرب والقتال.(1)
المستوى الدلالي للون في شعر عنترة:
أعجبتني هذه النقطة وودت ذكرها حتى يتسع أفق الموضوع، بالنسبة إلى موضوع الألوان في شعر عنترة، وعلاقة هذه الألوان بذات الشاعر، فقد تبين من خلال الموضوع أن أكثر الألوان استخداماً في شعره الأسود والأبيض، وقد يتبادر إلى الذهن أن الشاعر لاعتبارات ذاتية كان يمكن أن يتغاضى عن ذكر هذين اللونين في شعره ولكنه على عكس ما يتوقع القارئ، فقد أكثر من ذكرهما والحديث عنهما، وهو بذلك لا يهرب من المشكلة الأساسية التي تواجهه في حياته، وهي عقدة اللون، وإنما يحاول أن يتصدى لها ويواجهها للتغلب عليها من خلال طرحها وفق معايير اجتماعية، وقيم خلقية تجعل من اللون الأسود كما الأبيض أمراً مقبولاً على المستويين الشخصي والاجتماعي.
وهو يعتمد في ذلك كله أسلوب الحوار والاقناع، ويلجأ إلى فلسفة الأمور وفق مفاهيم منطقية، تجعل له قدرة على امتلاك زمام الأمور والوصول إلى النتائج التي يريدها، فالسواد لا يعيب صاحبه لأنه لا يتنافى (بذاته) مع القيم والأخلاق، كما أن البياض لا يعطي أفضلية لصاحبه لأنه يتوافق (بذاته) مع القيم والأخلاق.
والأفضلية في ذلك كله تعود إلى أفعال الشخص ومعاملته وسلوكه، والشاعر بذلك يعطي مفارقة واضحة بين الشكل والجوهر، وهي مفارقة غير مطروحة على المستوى الاجتماعي، ولكنه حاول من خلال أسلوبه الشعري، وحسن استغلاله للون أن يعدل الموازين القائمة بين فهمه وفهم مجتمعه للعلاقات الإنسانية المتبادلة وفق مبادئ إنسانية ، وليس وفق مظاهر شكلية يؤمن بها المجتمع، ويعطيها شيئا من القداسة. (1)