الإنسان هو محور الكون الذي تدور حوله كل الأشياء والمسخرة له في كل ألازمان والأمكنة وجعل الإنسان آية من آيات الله العظمى الذي خلقه في أحسن صورة الآية 4 من سورة التين ((لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم)) وكرمه الله تعالى واصطفاه من بين سائر الكائنات سورة الإسراء الآية 70 ((ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا)) وجعل الإنسان خليفة الله في الأرض سورة البقرة الاية30 ((وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون)).
وهذا الاهتمام الرباني بالإنسان قابله الإنسان بالإجحاف تجاه نفسه قبل خالفه فاعتدى على حقه ومنع نفسه من التمتع بما سخر له من منافع الدنيا ومصالحها وآثر على نفسه ما لغيره من صنف ذاته متجاوزاً الأوامر والنواهي السماوية التي انزلها الله مرادفة لخلقه لتهديه وترشده إلى سبيل الهداية والصلاح، وذلك لان الإنسان خٌلق ناقصاً غير كامل وخلق جهولاً ظلوماً عجولاً كفورا بدلالة سورة الإسراء الآية 11 ((يدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا)) وفي سورة الأحزاب الآية 72 ((إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا)). ووردت في الشرائع السماوية الكثير من الأحكام والفرائض الشرعية التي توجب على الإنسان الالتزام بها والتقيد بمفاهيمها لانطوائها على منافع ومصالح جمة له ولسواه من مثله ومثل غيره من الكائنات، حتى ختم الله عز وجل الرسالات السماوية بأكمل رسالة جمعت كل شيء ووضعت حكماً لكل شيء غير زمانية او مكانية خالد خلود الدهر يعمل بها الإنسان في حياته ويسأل عنها عند يوم حسابه وهذه الرسالة هي الرسالة المحمدية الإسلامية الجامعة المانعة وفيها وردت أحكام وفرائض لم يصل إليها العقل البشري لحد الآن من تصور لأحكامها وانه وعلى الرغم من مرور أكثر من ألف وأربعمائة عام على نزولها إلا أن عقل الإنسان لم يصل إلى جزء بسيط مما ورد فيها من قيم ومبادئ، وجل ما وصل إليه هي تلك المواثيق والعهود والاتفاقيات الدولية التي لا تعدو عن كونها ترجمة لما ورد في الشريعة الإسلامية من أحكام سواء تجاه الإنسان وكرامته وحقوقه أو تجاه الأرض والبيئة ومنع الاعتداءات والعدوان وسواها. وحيث إن هدف هذه الاتفاقيات هو الإنسان وكرامته مثلما ورد في الشريعة الإسلامية التي جعلت التكليف والحساب والعمل مرتبط بإنسانيته وتمام وكمال عقله وعلمه، فإذا انعدم العقل انعدم التكليف، لذا ترى إن الجميع يسعى تجاه حماية الإنسان من ذاته ومن جهله الذي كان محلاً لاهتمام الشريعة الإسلامية حينما جعل العلم فريضة على كل مسلم وأشير إلى ذلك في العديد من آيات القران الكريم ما جاء في سورة العلق الآية 1 ((اقرأ باسم ربك الذي خلق)) وفي سورة النساء الآية 113 ((لا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شئ وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما)).
بالإضافة إلى أن القران الكريم (يذكر العقل في مقام التعظيم والتنبيه و وجوب العمل به والرجوع إليه) وفي الأحاديث النبوية الشريفة ووصايا ألائمة وفقهاء وعلماء الإسلام الكثير من الدلالات الصريحة والضمنية على إن طلب العلم أمر إلزامي حتى يرتقي الإنسان بذاته من شهواتها الحيوانية إلى رؤى العقلانية الملائكية، ونظراً لقصور الإنسان عن الوصول إلى كمالات الخالق عز وجل استمر هذا الإنسان الضعيف بالعمل الحثيث على أن يبني لذاته حماية من خلال الاتفاق على بعض المبادئ التي اتسمت بالعمومية والشمولية المكانية فأخرجت على أوصاف اتفاقيات أو عهود أو صكوك او مواثيق دولية وضمت هذه الصكوك مبادئ كثيرة ومنها حق التعليم وجعله أمر إلزامي واذكر منها على سبيل المثال ما جاء في بعض هذه الاتفاقيات والمواثيق الدولية التي صادق عليها العراق باعتباره دولة طرف فيها و كما يلي :-
1. المادة (26) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي اعتمد بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المرقم 217/أ (د-3) في 15/12/1948. والتي تنص على ما يلي ((لكل شخص حق التعليم، ويجب أن يوفر التعليم مجاناً، على الأقل في مرحلته الابتدائية والأساسية.......)) المصادق عليه من قبل العراق.
2. المواد 19،18 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب قرارها المرقم 2200/أ في كانون الأول /ديسمبر عام 1966 والذي دخل حيز التنفيذ في 23/3/1976.
3. المواد (28،17،4،3) من اتفاقية حقوق الطفل المصادق عليها بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المرقم 24/25 في 20/11/1989 والنافذة اعتباراً من 2/9/1990 والمصادق عليها من قبل العراق.
4. المواد (15،13) من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المصادق عليه بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المرقم 2200/أ (د-21) في 16/2/1966 والذي دخل حيز التنفيذ في 3/1/1976.
وترى من خلال ما تقدم الاهتمام الذي توليه الشريعة الإسلامية السمحاء والمواثيق الدولية تجاه حق التعليم وجعله بمنزلة الحق الملزم لكل فرد وعلى كل مؤسسة اجتماعية او شعبية او حكومية أن تساهم في توفيره إلى الناس كافة، ولم يغفل الدستور العراقي النافذ هذا الحق إذ أشار إليه في نص المادة (34) من الدستور التي تنص على ما يلي ((أولاً :ـ التعليم عاملٌ أساس لتقدم المجتمع وحقٌ تكفله الدولة، وهو إلزاميٌ في المرحلة الابتدائية، وتكفل الدولة مكافحة الأمية.
ثانياً :ـ التعليم المجاني حقٌ لكل العراقيين في مختلف مراحله.
ثالثاً :ـ تشجع الدولة البحث العلمي للأغراض السلمية بما يخدم الإنسانية، وترعى التفوق والإبداع والابتكار ومختلف مظاهر النبوغ))
وبعد العرض المذكور نلاحظ إن العراق مثل سائر دول العالم الثالث التي يقع ضمن توصيفها، يعاني من ألأمية وفي تقارير الأمم المتحدة حول معدل ألأمية يشير إلى إن نسبة الأمية في العراق تمثل نسبة 6،59% من مجموع السكان منها 1،44% تمثل نسبة الذكور الأميين و 6،75% نسبة الإناث الأميات.
وهذه النسبة توضح بان أكثر من نصف المجتمع يعاني من الأمية والجهل مما يعدم إمكانية النهوض بالعراق والارتقاء به إلى مصاف الدول المتقدمة وهذه الأمية تعني عدم القراءة والكتابة التي تشير إلى أن أكثر من نصف المجتمع لم يدخل المدرسة ولم يتعلم القراءة والكتابة، وقد تكون لمثلهم من الذين يلمون إلمام بسيط بالقراءة والكتابة ولم تتمكن من تحديد النسبة لعدم توفر الإحصائيات الدقيقة، وهذا الأمر يجب أن يقف عنده كل مهتم بالتنمية الاجتماعية، حيث نرى إن العراق في الوقت الحاضر قد دخل في دوامة العنف والجريمة المنظمة والإرهاب وسيادة الفوضى وتسلط الأميين والجهلاء على المقدرات، مما اضعف كيان المجتمع واوهن جهد الدولة ويعلم الجميع إن فئة الأميين هي الفئة الأكثر استهدافاً للاستقطاب للقيام بالعمليات الإجرامية والإرهابية، ومن خلال تجربة الأعوام الثلاث الماضية شاهدنا إن لمعظم المجرمين العتاة والسفاحين والقتلة هم من الأشخاص الذين لم يحصلوا على تعليم أو إن تعليمهم بقدر ضئيل جداً. لذا علينا ان نلحظ هذا الأمر ونعالجه بشكل جدي حتى نتمكن من خلق مجتمع متعلم يعرف كل فرد حقوقه والتزاماته ويساهم في القضاء على العنف و!
الإرهاب، إذ أن السلاح والقوة وحدها لا تكفي لمعالجة هذه الأزمات الاجتماعية في البلد. وبما إن التعليم يبدأ من المراحل الأولى لحياة البشر لذا وانسجاماً مع أحكام الشريعة الإسلامية والمواثيق الدولية ومبادئ الدستور أن نجعل التعليم الابتدائي إلزاميا على كل فرد بلغ السادسة من العمر وأصبح في سن الدخول إلى التعليم الابتدائي، وبما أن مجرد النص على إن التعليم إلزامي لا يكفي لوحده ما لم يقترن بإجراءات أخرى تعتمد على مبدأ الثواب والعقاب، وبما إن الطفل في هذه السن المبكرة غير قادر على رعاية شؤونه وإدراك مصلحته، أرى أن يكون رب الأسرة سواء كان الأب او إلام حيث إن المسؤولية مشتركة، هو محل الإلزام ومسؤول تجاه الدولة في حال عدم تسجيل أبنائه في المدرسة أو عدم إعادتهم إلى الدراسة عند تركهم لها، وهذا الأمر لا يمكن معالجته إلا بموجب تدخل تشريعي يكون على شكل قانون يصدر عن مجلس النواب وارى أن يتضمن النص المذكور الأفكار التالية :-
1. جعل الأب والأم ملزمة بتسجيل الطفل في المدرسة عند بلوغه سن السادسة ومتوفر على الشروط الصحية والعقلية.
2. في حال تسجيل الطفل واستمراره بالدراسة يمنح الأب مخصصات تقدر بمبالغ تسمى في القانون عن كل طفل يتم تسجيله في الدراسة ومستمراً فيها مع بعض الضوابط المتعلقة بسنين الرسوب وسواها.
3. في حال عدم التزام الأب أو الأم الموظفة في تسجيل الأبناء المشار إليهم أعلاه تحجب عنهم تلك المخصصات بالإضافة إلى إخطارهم بأنهم سيتعرضون إلى عقوبات أخرى في حالة استمرار عدم تسجيلهم أو استمرارهم في الدوام المدرسي.
4. حرمان الأم أو الأب الذين لم يسجلوا أولادهم على وفق ما ذكر أعلاه من بعض المزايا الممنوحة لهم مثل الأخذ بها بنظر الاعتبار عند المفاضلة في التعيين أو القبول في الوظائف العامة أو الدراسات العليا أو التأسيس والدخول في المنظمات او حتى حرمان الأم والأب من حق الولاية والحصانة على الأطفال أو أي إجراءات أخرى بعد أن يتم التداول فيها مع أهل الاختصاص من علماء الاجتماع والتربية والدين والقانون والاقتصاد وسواهم.
وهذه الأفكار هي خطوة أولى سيتم من اغنائها من قبل الآخرين عند التصدي إلى الموضوع بجدية لأننا بحاجة إلى مثل هذه الإجراءات التي الزم العراق نفسه بإتمامها على وفق التصديقات التي أجراها على الاتفاقيات الدولية وعلى وفق ما أشير إليه في أعلاه والتي أصبحت جزء من القانون الوطني الملزم للدولة والأفراد وعلى وفق نص الفقرة (ب) من البند (أولا) من المادة (الثانية) من قانون النشر في الجريدة الرسمية رقم 78 لسنة 1977 وهذه دعوة لكل من يهمه امر العراق وابنائه وسلامته للعمل من اجل إنضاج الفكرة ومؤسسات المجتمع المدني يجب أن تأخذ زمام المبادرة لتحقيق هذه الغاية. كما إن المسؤولية القانونية والأخلاقية تلزم أجهزة الدولة وسلطاتها بمعالجة الظواهر الاجتماعية من جذورها وليس معالجة العوارض الوقتية الزائلة وارى إن مكافحة الأمية سينعكس بالإيجاب للقضاء على الكثير من الظواهر الاجتماعية السلبية السائدة في المجتمع العراقي.