على الرغم من أن كل من يزور دولة الإمارت العربية المتحدة اليوم وتحديداً إمارة "دبي" يعبر عن إعجابه بما حققته هذه الإمارة من نهضة اقتصادية وعمرانية غير مسبوقة، إلا ان قلة من هؤلاء من استرعى انتباهه النهضة الثقافية والعلمية التي تعيشها "دبي" طبعاً كان هذا قبل إعلان سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات ورئيس مجلس وزرائها وحاكم إمارة "دبي" عن مبادرته الشخصية عبر وقف مبلغ ضخم يقارب ما تخصصه إحدى الدول العربية لإنفاقها العام في موازنتها السنوية، هذا المبلغ الذي يربو على(10) مليارات دولار خصص للإسهام في النهضة العلمية والثقافية في الدول العربية بإطلاق مؤسسة محمد بن راشد لدعم التعليم و تنمية الموارد البشرية.
وفي ذروة طفرتها الاقتصادية وبين الأبراج الشاهقة وأطنان من كتل الإسمنت الضخمة والرافعات التي لا تكل ولا تمل في هذه المدينة، كان هنالك دوماً في "دبي" متسع لتنبت فيه زهرة العلم والثقافة والمعرفة، زهرة كان لا بد لها من يد بيضاء تسقيها وترعاها تمثلت في شخص سمو الشيخ محمد بن راشد الذي لم يأل جهدا منذ البداية في دعم مثل هذه المشاريع التي تستهدف الإسهام في بناء مجتمع المعرفة في المنطقة كلها وذلك بتقديم الدعم للعقول والقدرات الشابة والتركيز على العطاء للبحث العلمي والتعليم والاستثمار في البنية الأساسية للمعرفة منذ إنشاء مؤسسة محمد بن راشد لدعم مشاريع الشباب والتي أضحت حافزاً كبيراً لشباب الإمارات على العمل والإبداع لدرجة أن مشترياتها من مشاريع الشباب وصلت إلى أكثر من 60مليون درهم إماراتي، ولم يقصر حاكم دبي اهتمامه على "دبي" وحدها بل أعلن أن المبادرة الجديدة تسعى لتوفير فرص متساوية لجميع أبناء المنطقة في التقدم والحياة الكريمة.
نعم هذه خطوة أخرى كبيرة تخطوها "دبي" في مسيرتها نحو العالمية وشاهد آخر على بعد نظر القائمين عليها وإيمانهم أن لا تقدم ولا إزدهار يدوم دون أن يبنى على أسس صحيحة ومتينة ولذلك وضعت "دبي" أعلى المقاييس العالمية كمعايير لقياس أداء مؤسساتها بشكل عام والتنموية منها خاصة وعرفت "دبي" أن الاستثمار في الإنسان لا غيره وإحياء روح الإبداع والابتكار فيه هو الضمانة الأقوى لمجاراة البقية في ذلك السباق الجنوني الذي يعيشه عالمنا اليوم في معركة الاقتصاد، لذلك نجدها قد اتخذت شعاراً لها أن "الأمم الحية لا تيأس ولا تهرب من التحديات".
إنها خطوة تحتسب لسمو الشيخ محمد بن راشد، الذي رأى الواقع الصعب الذي يعيشه العالم العربي والتحديات الحتمية التي تواجه العرب فأعلن أن هذا الوضع لا يجب أن يستمر داعياً إلى العمل بسرعة وجدية وإخلاص وشجاعة لإنهاء أسباب تأخر المنطقة عن عالمها وعصرها، ورفض الاكتفاء بقراءة مؤشرات التنمية الدولية والتحسر على حال المنطقة وصرف نظرنا عن أسباب التأخر ومخاطره والتلهي عنها بدل التحرك لمواجهتها.
في "دبي" اليوم، تزدهر الحياة ويزدهر الاقتصاد والعمران، وكل هذا يسير يداً بيد مع دعم العلم والثقافة والفكر، ولعل هذه الصروح العلمية والثقافية التي تشيد هنا وهناك في كافة أرجاء الإمارة تشهد على ذلك كقرية المعرفة التي تضم عدداً كبيراً من الجامعات والمؤسسات التعليمية والمعاهد العالمية المتخصصة، ومدينة دبي للإعلام التي تضم بين جوانبها شتى وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة والتي جعلت من "دبي" عاصمة صناعة الإعلام في المنطقة وأيضاً قرية الثقافة ذلك المشروع الثقافي الفريد الذي من المنتظر له أن يكون منارة للفكر والثقافة في المنطقة، ومنها خطة دبي الطموحة للتحول إلى مركز إقليمي للانتاج التلفزيوني الدرامي توجتها جميعاً مبادرة حاكم دبي لدعم التنمية والاستثمار في التعليم والفكر والإبداع تجسيداً لرؤيته في أن تكون دولة الإمارات مركز إشعاعٍ حضارياً وثقافياً وإنسانياً في المنطقة ومنفتحة على الثقافات الأخرى بكل مشاربها،.
قد يرى البعض "دبي" على أنها بيئة استثمارات خصبة وفرصة للقيام بالأعمال الناجحة، ولكن يبقى الكثير ممن لم تكتمل لديهم النظرة إلى "دبي" بثوبها الجديد ثوب مدينة العلم والفكر والإبداع والمعرفة.